في عالم "ما بعد الجائحة" المسماة "وباء فيروس كورونا"، يتواصل التأكيد من "لوبي صُنَّاع قرار إعادة صياغة وتشكيل العالم من جديد": على أن التحول البنيوي في "نظام إدارة الأرض" حادث حادث حادث لا محالة؛ ـ وهذا الرأي أذكره بمعزل عما يمكن أن يظنه البعض منتمياً إلى "تفكير نظرية المؤامرة"ـ لأن هناك مرحلة جديدة كما يبدو ويعلن عنها لا بد من إدراج الحياة كلها في متونها؛ سعياً للوصول إلى التطور الهيكلوي "الاقتصاد سياسوي" المنشود؛ تلبية لمقتضيات جشع سد الشراهة الرأسمالوية؛ بضواغط الربحوية الحاكمة لكل تاريخ التطور الإنسانوي.

*****

العالم كله في "زمن ما بعد بعد الحداثة" – أو "ما بعد بعد كورونا" - يمضي في اتجاه التحول المفاجئ؛ وهذا يقتضي إجباره على خلع ملابسه السياسواقتصادوية والثقافوية والاجتماعوية القديمة؛ بكل ما تعتمد عليه في إدارته من مفاهيم صارت مع واقع العولموية مترهلة، بالية إنتاجويا وغير كثيفة؛ لأنها ليست استهلاكوياً بعدد سكان الأرض؛ وإنما بطاقة القدرة على الشراء ـ وهي ليست عولمويةـ ورائحة نظامها الراهن كريهة، ويوصم نظامها الدولاتوي بالفساد والطفيلوية.

وفي السعي لترسيخ التوجه الجديد بالعولموية عبر الجائحةـ 19... ستبدأ الضغوط ـ في العالم كله بأنواعه أوله وثانيه وثالثه ـ للخلاص على سبيل المثال من شكل التعليم النمطوي الرائج شعبويا والمتعارف عليه؛ بهدف تغييره بالإجبار شكلاً وموضوعاً؛ عبر الخروج من قاعة الدرس الجدارية الصغيرة في المدرسة والجامعة؛ والتي يتحوط الطلاب داخلها بالمعلم لتصير في "ما بعد الجائحة" ساحة افتراضوية غير محدودة الاتساع؛ ويتحول "المُعلِّم/ الأستاذ/ الدكتور المُلقِّن" إلى مُوجَّه أو مُدرِّب؛ ويتخلى عن وظائفيته الراهنة المستقرة عبر دورات صقل المهارة المهنوية التي سيتعرض لها من أجل التخلي عن دوره السابق لتقوم بوظيفته "قنوات المعرفة المطلقة الشبكاتوية" ؛ والمتاحة في "الشبكة العنكبوتية" لتكون هي المُعلم/ الأستاذ/ الدكتور العولموي الجديد.

"المعلم/ الجسد" الذي قام بتعليمنا الألفباءوية؛ وتشكيل ذائقتنا ومهاراتنا وصياغة شخصياتنا هو شكل ذاهب إلى الماضي؛ تاركاً محله إلى "المعلم/ الأستاذ/ الدكتور الافتراضوي"؛ أو كتلة الداتا " Data"؛ والكتاب الورقوي سيتوارى وينقرض؛ ويتوقف استصناعه حفاظا على البيئة الشجرية المنتهكة؛ ليتغير ذلك الكتاب إلى صفحات الـ "Pdf"؛ وقاعات التعليم الراهنة ستتحول اقتصاداتها إلى أنشطة أخرى؛ لتكون قاعات افتراضوية عبر جلسات التعليم بالفيديو"Video conference"..

القضية إذن ستكون مرتبطة بالتوجه لتدمير النمط القديم للتعليم؛ والتحول من العملية الاتصالوية التقليدوية (الطلاب والأساتذة وجهاً لوجه) إلى "النمط السيبراناتي"؛ والذي تستصنعه وتتحكم في تلابيبه بيئة "شاشة الهاتف" و"التابلت" و"لوحة المفاتيح"؛ ويديرها العقل العولموي السياسوي الجامع.

*****

العالم في مرحلة "ما بعد الجائحة" يوغل قُدُمَاً في تحولاته البنيوية العولموية؛ والشخصية الفردانية بسماتها البيولوجوية والعقلانوية في زمان "ما بعد بعد الحداثة" سيجري تشكيلها "سيبراناتيا" من خلال الشاشة ولوحة المفاتيح؛ لتتحول تلك الشخصية الجديدة من "شخصية وطنوية" حسب النمط السياسوي التقليدوي؛ أي مرتبطة جغرافويا بحدود سياسوية محددة اسمها "الدولة الوطنوية؛ إلى شخصية "افتراضوية/ إنسانوية مقولبة"؛ وطن إقامتها العولموي هو الفضاء الافتراضوي؛ وهي شخصية افتراضية معناها وتشكيلها عابر لكل تلك الحدود التي تستثمر في اقتصادات المعرفة؛ مهما كانت تحمل هوياتها في "جوازات سفرها" لقب ( أميركي؛ صيني؛ روسي؛ بريطاني؛ مصري...إلخ).

ولعل هذا التحول البنيوي المخيف المقارب لصناعات "الروبوت" تكشف بداياته ما رأيناه من مبادرات إجراءات الوقاية المتوهمة بـ "العزل والتباعد الاجتماعوي" في دول العالم كلها: ( وزارات وشركات ومؤسسات وأسواق وبيوت عبادة وأسرة نوم) فور الإعلان عن "جائحة ـ 19"!!
وهذا ما نرى تباشيره في التحولات المسلكوية التي طالت العالم؛ عبر إعطال/ توقيف شكل العمل التقليدوي بالحضور والانصراف إلى ومن مقرات العمل القائمة؛ والتحول للأرشفة الجديدة؛ وإضمار الملفات الورقوية القديمة في الحواسيب؛ وتعميق توجه التعليم الجديد عبر "التابلت" والاختبارات "الشبكاتوية".

*****

من المؤكد أن الكثير من العلل ستفرض نفسها راهناً على المرحلة الجديدة؛ بالغضب الشعبوي " من الأسر وتجار التدريس" نتيجة هذا التحول؛ مع ممارسة الاحتيال ممن يسمون معلمي "الدروس الخصوصية"؛ لأن نظام التحول الجديد... سيجفف بحيرات الربحوية المسماة "سناتر الدروس الخصوصية"؛ مع محاولة هؤلاء بالتحايل عليها بممارساتهم الساذجة؛ مع اليقين بأن تعميق التجربة الجديدة؛ والاندراج في تطبيقها سيقضي على أغلبية تلك الظواهر ذات الصورة غير الإيجابوية.

فـ"النظام السيبرانوي" له في الأساس قوانين الضبط والربط؛ والفحص والتدقيق الخاصة والمحكمة؛ والتي تضمن تقويم القدرات والحكم على جهد الطالب؛ وما إذا كان حقيقياً أو مستنسخا أو مسروقاً؛ بوجود ميزات التخزين الشبكاتوي (ICloud آي كلاود أنموذجا) والبرمجيات الضابطة للنسخ!!

*****

متسلسلة الإجراءات التي تعلن عن بدء استرداد الحياة لصورتها النمطوية القديمة بدأت؛ بتقليل مدى ساعات الحظر؛ والتظاهر ببدء استرداد دواليب العمل إيقاعها الشائع في الوزارات والمؤسسات؛ غير أن الإشارة بدورات جديدة من أنماط فيروس كورونا وتحولاته البنيوية الجديدة غير المفرج عن سيناريوهاتها؛ والتأخر في الإعلان عن التوصل للدواء المناسب... يعطي الانطباعات بأن اللعبة العولموية لم تنته بعد؛ وأن أهدافها أكبر من كل التوقعات لمن لا يقرأون ولا يتفكرون؛ ومن لا يزالون مقتنعين بمخادعة "نفي نهج المؤامرة"؛ لذلك نصيح: "يا قوم"... استعدوا لتكونوا من ذكريات الماضي في مرحلة "ما بعد الجائحة"... كيف؟ في التدوينة اللاحقة المزيد من الكشف!!

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).